مصر تدخل سباق انتاج الهيدروجين
"التحول لمركز إقليمى للطاقة" حلمٌ سعت مصر لتحقيقه على مدار السنوات الخمس الماضية، حيث قامت بوضع استراتيجية مستدامة ومتكاملة الأركان، وذلك من خلال مصادر متنوعة للطاقة النظيفة، خاصة الطاقة المتجددة فى إطار رؤية مصر 2030 والتى تركز على الطاقة كعنصر اقتصادى لتحقيق الاستدامة واستراتيجية الطاقة فى مصر حتى عام 2035 والتي يجري تحديثها حالياً واتفاقية باريس للمناخ التى صدقت عليها مصر والتى تهدف لدعم الاستجابة العالمية لمخاطر التغير المناخى.
وتشهد الفترة الحالية زخم سياسي وتجاري غير مسبوق على استخدام تكنولوجيا الهيدروجين، يأتي هذا تزامناً مع الانتشار السريع لاستخدامه في عدد من الدول الكبرى، وهو ما ينبئ عن وجود حصة كبيرة من الهيدروجين في نظام الطاقة في العقود المقبلة
ومن خلال مجلة غاز نت نستعرض معا ًمن خلال هذا التقارير طرق إنتاج ونقل وتخزين الهيدروجين، واهم التقنيات الحديثة التي يتم تطويرها وتوظيفها في مجال إنتاج الهيدروجين وتعزيز كفاءته واستدامة استخداماته المتنوعة في مختلف المجالات وأبرز الإمكانات الواعدة التي يوفرها غاز الهيدروجين كونه مصدراً مستداماً لإنتاج الطاقة، وأهم تطبيقاته الحالية والمستقبلية إضافة إلى تأثيراته الإيجابية في الحفاظ على البيئة والتقليل من مخاطر التغير المناخي في ظل الزيادة الملحوظة في الطلب على الهيدروجين خلال السنوات الأخيرة. فضلا عن القاء الضوء على الخطوات الفعلية التي اتخذتها مصر للدخول في صناعة الهيدروجين.
الهيدروجين وكيفية إنتاجه
الهيدروجين هو أحد أنواع الطاقة ، والتي تقوم على التحليل الكهربائي للماء من أجل فصل الهيدروجين عن الأكسجين، وهوما يلزم توافر طاقة كهربائية من أجل إنتاجه.
ووفقا للخبراء، يوجد نحو 6 أنواع من الهيدروجين تختلف باختلاف مصدر الطاقة الكهربائية المستخدمة في عملية إنتاجه ومنها الهيدروجين الرمادي، والهيدروجين الأسود، والهيدروجين الأزرق، والهيدروجين الأصفر، والهيدروجين الفيروزي، والهيدروجين الأخضر.
وتنقسم العمليات التى تستخدم في إنتاج الهيدروجين إلى نوعين رئيسيين:
- عمليات حرارية كيمائية: وهي العمليات التي تعتمد على الوقود الأحفورى كالغاز الطبيعي وتشمل طريقة "إعادة تشكيل الميثان بالبخار" (Steam Methane Reforming)، وطريقة الأكسدة الجزئية (Partial Oxidation) وطريقة إعادة تشكيل حراري تلقائى (Auto Reforming) كما تضم هذه المجموعة طريقة تغويز الفحم (Coal Gasification) المستخدمة في إنتاج الهيدروجين من الفحم. وتعد عملية إعادة تشكيل الميثان بالبخار الأكثر شيوعاً في الاستخدام بين كافة العمليات الحرارية الكيميائية عالمياً.
- عمليات كهروكيميائي: وتعتمد على "التحليل الكهربائي للماء" (Electrolysis)، وهذه الطريقة تستهلك كميات ضخمة من الطاقة الكهربائية علماً بأن الماء الذي يتم استخدامه هو ماء معالج منزوع الأملاح منه.
تكنولوجيا إنتاج الهيدروجين:
يتم تصنيف الهيدروجين المنتج طبقاً لمصدر الطاقة المستخدم في إنتاجه كالطاقات المتجددة والنووية والوقود الاحفوري كالغاز الطبيعي والفحم والنفط وتوجد العديد من التصنيفات أشهرها ما يلي:
- الهيدروجين المنتج من الوقود الأحفورى: ويشمل هذا النوع كلا من الهيدروجين الرمادى في حال استخدام الغاز الطبيعى والهيدروجين الأسود الذي ينتج من الفحم، كما يضم الهيدروجين الأزرق المنتج من الوقود الأحفورى مع استخدام تكنولوجيا استخلاص الكربون وتخزينه (Carbon Capture, Utilization & Storage “CCUS”).
- الهيدروجين المتجدد: ويشمل هذا النوع كلا من الهيدروجين الأخضر المنتج باستخدام طاقة من مصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين الأصفر المنتج باستخدام الطاقة النووية والفيروزى المنتج من الكتلة الحيوية.
- إنتاج الهيدروجين من الغاز الطبيعى: تتفاعل الهيدروكربونات (الميثان الذى يشكل النسبة العظمى من الغاز الطبيعى) مع البخار على مراحل في وجود عامل حفاز (النيكل) عند درجة حرارة حوالى 700-1000 درجة مئوية، وينتج عن التفاعل الهيدروجين كما ينتج ثانى اكسيد الكربون وبكميات كبيرة، وتسمى هذه الطريقة بـ "إعادة تشكيل الميثان بالبخار" وتعد هي الطريقة المثلى (الأكثر شيوعاً وأقل تكلفة) لإنتاج غاز الهيدروجين
- إنتاج الهيدروجين عبر التحليل الكهربى للماء: يتم عبر هذه التقنية تحليل جزئ الماء إلى الأكسجين والهيدروجين باستخدام تيار كهربى مع غشاء (Membrane)، وتتطلب عملية إنتاج الهيدروجين عبر التحليل الكهربائي مياه ذات نقاوة عالية لتجنب التفاعلات والمشاكل الجانبية التي تتسبب فيها الأملاح المذابة في المياه الطبيعية. وينتج عن هذه العملية هيدروجين عالي النقاوة يمكن استخدامه مباشرة في التطبيقات النهائية، كما ينتج كمية من الأكسجين يتم تصريفها في الهواء أو استخدامه في التطبيقات الصناعية والطبية، بينما لا ينتج عنها أية انبعاثات كربونية
استخدامات الهيدروجين:
- يدخل الهيدروجين في العديد من الأنشطة الصناعية حيث يستخدم في مصافى تكرير النفط ومصانع البتروكيماويات وإنتاج الأسمدة والزجاج المسطح، وبعض الأعمال المعدنية، والاختزال المباشر بمصانع الحديد والصلب، بالإضافة إلى استخدامه كوقود في بعض وسائل النقل، حيث يمكن استخدامه في محركات الاحتراق الداخلي كوقود بديل صديق للبيئة
- يمكن استعماله -كخليط مع البنزين/سولار في محركات الاحتراق العادية لتقليل الانبعاثات وتحسين أدائها ورفع كفاءته
- يستخدم الهيدروجين كأحد طرق تخزين الطاقة من المصادر المتجددة، كما يمكن للوقود الهيدروجيني نقل الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة لمسافات طويلة من المناطق ذات الموارد الشمسية وطاقة الرياح الوفيرة إلى مناطق نائية معزولة ودول اخرى على بعد آلاف الكيلومـتـرات.
طرق نقل وتخزين الهيدروجين:
تمثل عمليات نقل وتوزيع الهيدروجين تحدياً كبيراً من الناحية الاقتصادية لإرتفاع تكلفة نقله لمسافات طويلة مقارنة بأنواع الوقود الأخرى. وتتم عمليات نقل وتوزيع الهيدروجين إما عبر خطوط الأنابيب (للمسافات القصيرة) من مواقع الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك، أو باستخدام المقطورات حيث يمكن نقل الهيدروجين مسالاً أو تحت ضغط (للمسافات المتوسطة)، أو النقل باستخدام ناقلات بعد تحويل الهيدروجين إلى أمونيا لنقله إلى الأسواق البعيدة عن مناطق الإنتاج.
ولكي يصبح الهيدروجين مكوناً من مكونات نظام الطاقة العالمى وإنشاء سلسلة قيمة له ذات مرونة عالية وسهلة في التشغيل، فلابد من وجود بدائل تسمح بتخزين الهيدروجين بسعات تخزينية عالية.
وتتضمن بدائل التخزين المتاحة التخزين الجيولوجي (تجاويف/كهوف الملح أو مكامن النفط والغاز الناضبة) أو مكامن الماء واستخدام طرق التخزين الفيزيائى في صهاريج التخزين وتخزين الهيدروجين في مواد أخرى عبر الإمتصاص على أسطح المواد أو التخزين في مواد عضوية سائلة ويعد تخزين الهيدروجين عبر التحويل لمواد أخرى مثل المعادن أو الهيدريدات أحد طرق التخزين التي تمكن من رفع كثافة الهيدروجين وبالتالي تسمح بتخزين كميات كبيرة منه عند ظروف الضغط الجوى (لكنها لا تزال في مراحل التطوير) كما يمكن تحويل الهيدروجين إلى أمونيا (NH3) والتي تسمح بتخزين كميات كبيرة من الهيدروجين (1.7 ضعف مقارنة بالهيدروجين المسال).
وسيتم استعراض خلال العدد القادم مقومات انتاج الهيدروجين بمصر والخطوات الفعلية التي اتخذتها مصر نحو توطين صناعة الهيدروجين وذلك في ظل الاتجاه العالمي الكبير نحو هذه الطاقة في الوقت الحالي